Skip links
فسخ العقد التجاري بسبب الإخلال أو القوة القاهرة وخطوات المطالبة

فسخ العقد التجاري بسبب الإخلال أو القوة القاهرة في النظام السعودي

فسخ العقد التجاري في النظام السعودي ليس قرارًا عاطفيًا ولا “خطابًا يُرسل وينتهي الأمر”. الفسخ له آثار مالية وتشغيلية ضخمة: رد دفعات، إيقاف توريد، غرامات، شرط جزائي، تعويضات، وربما نزاع على تسليم أصول أو بيانات أو بضائع. لذلك أهم ما يحدد نجاحك في الفسخ ليس فقط أنك متضرر، بل أنك اتبعت مسارًا صحيحًا: أثبتت الإخلال، منحت فرصة معالجة إذا لزم، أرسلت إنذارًا مضبوطًا، ثم اخترت هل تطلب فسخًا مع تعويض أم تكتفي بإنهاء دون تعويض بحسب سبب الفسخ.

هذا المقال يشرح لك عمليًا:

  • متى يكون الفسخ بسبب الإخلال قويًا ومقبولًا.
  • ومتى يمكن الاستناد إلى القوة القاهرة أو الظروف الطارئة، وما الفرق بينهما من زاوية الأثر والنتيجة.
  • وكيف تجهّز دعواك للمحكمة المختصة، وتبني ملف إثبات يقنع القاضي.

أولًا: ما المقصود بفسخ العقد التجاري؟ وما الفرق بينه وبين الإنهاء؟

  • الفسخ: إنهاء العقد بسبب سبب معتبر (غالبًا إخلال)، مع إعادة الأطراف قدر الإمكان لما كانوا عليه قبل العقد، وقد يترتب عليه تعويض.
  • الإنهاء/الانقضاء: قد يكون لانتهاء المدة، أو لاتفاق الطرفين، أو لتحقق شرط في العقد، وقد لا يتضمن “إدانة” لطرف بالإخلال.

أثر الفرق عمليًا:
الفسخ عادةً يتطلب إثبات إخلال أو سبب قاهر مؤثر، بينما الإنهاء قد يكون وفق بند من بنود العقد (مثل إنهاء بإشعار).


ثانيًا: متى يحق لك فسخ العقد بسبب الإخلال؟

لكي يكون فسخ العقد بسبب الإخلال قويًا، يجب أن تركز على 4 نقاط:

  1. وجود التزام تعاقدي واضح
    مثل: توريد كمية، تسليم في موعد، مستوى جودة محدد، دفع دفعات في تواريخ، تقديم خدمة وفق مؤشرات أداء.
  2. تحقق الإخلال فعليًا
    تأخير، امتناع عن تسليم، تسليم معيب، توقف عن تقديم الخدمة، عدم دفع مستحقات.
  3. جوهرية الإخلال
    ليس كل إخلال يبرر فسخ العقد. الفسخ يكون أقوى عندما يكون الإخلال “جوهريًا” يؤثر على الغرض الأساسي من العقد.
  4. اتّباع إجراءات العقد والنظام
    مثل: الإنذار، مهلة المعالجة، آلية الاعتراض على العيب، شرط الإشعار، آلية التسليم.

القاعدة الذهبية: لا تبدأ بالفسخ؛ ابدأ بإثبات الإخلال. لأن الفسخ قرار نهائي سيُسأل عنه: لماذا فسخت؟ هل أعطيت فرصة معالجة؟ هل التزمت بالإجراءات؟


ثالثًا: صور الإخلال التي تُستخدم غالبًا كأساس للفسخ (أمثلة عملية)

1) التأخير الجسيم في التسليم أو التنفيذ

مثل: عقد توريد لمشروع زمني، والتأخير أفشل المشروع أو تسبب بغرامات.

2) الامتناع عن التنفيذ أو التوقف دون مسوغ

مثل: مقاول توقف عن العمل، أو مزود خدمة أوقف الخدمة دون سبب تعاقدي.

3) عيب جسيم أو مخالفة مواصفات

تسليم منتج مخالف للمواصفات، أو خدمة لا تحقق الحد الأدنى المتفق عليه.

4) عدم سداد الدفعات أو المستحقات

مثل: طرف لم يسدد الدفعة المقدمة أو مستحقات دورية رغم الإنذار.

5) خرق التزامات الثقة والسرية أو تعارض المصالح

في عقود الوكالة/التوزيع/الخدمات، قد يكون الإخلال في التسريب أو منافسة غير مشروعة أو استعمال بيانات العملاء دون حق.


رابعًا: الإنذار قبل الفسخ… لماذا هو أهم خطوة؟

حتى لو لم ينص العقد صراحة على الإنذار، الإنذار يساعدك في:

  • إثبات أن الطرف الآخر “عُلم بالإخلال” ولم يعالجه.
  • تحديد تاريخ واضح لبداية التقصير واحتساب الأضرار.
  • قطع الأعذار مثل: “لم أعرف” أو “لم تصلني مطالبة”.

ماذا يجب أن يحتوي الإنذار المثالي؟

  1. بيانات العقد: رقم العقد/تاريخه/الأطراف.
  2. وصف الإخلال: ماذا حدث؟ متى؟ أين أثره؟
  3. مهلة معالجة: مدة واضحة (مثال: 7 أيام / 15 يومًا) إذا كانت طبيعة العقد تسمح.
  4. طلب محدد: تسليم/إصلاح/سداد/استئناف خدمة.
  5. نتيجة واضحة: “في حال عدم المعالجة خلال المهلة سنباشر إجراءات الفسخ والمطالبة بالتعويض”.
  6. مرفقات: ما يثبت الإخلال (محاضر، صور، مراسلات، تقارير).

نصيحة عملية: اجعل الإنذار قصيرًا ومحددًا. الإنذار الطويل الذي يخلط مطالب متعددة يضعف الرسالة القانونية.


خامسًا: الشرط الجزائي والتعويض عند الفسخ بسبب الإخلال

في العقود التجارية كثيرًا ما يوجد:

  • شرط جزائي: مبلغ أو نسبة تُستحق عند الإخلال أو التأخير.
  • تعويضات: مطالبة عن ضرر فعلي (خسائر، غرامات، تكاليف بديلة).

متى تطلب الشرط الجزائي؟

عندما:

  • يكون مكتوبًا بوضوح في العقد.
  • يرتبط بحالة الإخلال التي وقعت (تأخير/عدم تنفيذ/فسخ…).
  • ويمكن حسابه دون غموض.

متى تطلب تعويضًا إضافيًا؟

عندما:

  • لديك ضرر مثبت يتجاوز الشرط الجزائي، أو
  • لا يوجد شرط جزائي أصلًا، أو
  • العقد يسمح صراحة بالتعويض عن ضرر فعلي.

لكن احذر:
التعويض التجاري لا ينجح بالأرقام العشوائية. أفضل منهج:

  • اربط كل ضرر بمستند: غرامة تأخير في مشروع، تكلفة مورد بديل، خسارة صفقة موثقة، أجور إضافية، نقل وتخزين، إلخ.

سادسًا: القوة القاهرة والظروف الطارئة… ما الفرق؟ وكيف يؤثران على الفسخ؟

هنا يقع اللبس الأكبر.

1) القوة القاهرة

هي حدث:

  • خارج عن إرادة الطرفين،
  • غير متوقع عادةً،
  • لا يمكن دفعه أو تلافي أثره،
  • ويجعل تنفيذ الالتزام مستحيلًا (أو قريبًا من الاستحالة عمليًا).

الأثر العملي:
قد يُبرر عدم تنفيذ الالتزام، وقد يقود إلى انقضاء الالتزام أو إنهاء العقد دون مسؤولية تعويضية على الطرف الذي منعته القوة القاهرة، بحسب الوقائع وما ينص عليه العقد.

2) الظروف الطارئة

هي حدث:

  • خارج عن الإرادة أيضًا،
  • لكنه لا يجعل التنفيذ مستحيلًا، بل يجعله مرهقًا بشكل غير معتاد أو يسبب خسارة فادحة غير متوقعة لطرف.

الأثر العملي:
بدل الفسخ المباشر، قد يكون الاتجاه إلى:

  • إعادة التوازن التعاقدي (تعديل سعر/مدة/التزامات)، أو
  • تخفيف الالتزام، أو
  • حلول وسط تضمن استمرار العقد.

الفرق المختصر:
القوة القاهرة = استحالة.
الظروف الطارئة = إرهاق شديد دون استحالة.

كيف تُثبت القوة القاهرة أو الظرف الطارئ؟

بمستندات لا بعبارات:

  • قرارات إغلاق أو منع.
  • تقارير فنية عن تعطل سلسلة توريد بسبب حدث معين.
  • إثبات عدم القدرة على الحصول على بدائل.
  • مراسلات تثبت محاولات التخفيف (Mitigation) والبحث عن حلول.

سابعًا: ماذا تفعل عمليًا عند حدوث قوة قاهرة أو ظرف طارئ؟

إذا كنت الطرف المتضرر أو المانع عن التنفيذ:

  1. أبلغ الطرف الآخر فورًا
    التأخر في الإبلاغ يضعف الدفع بالقوة القاهرة.
  2. وثّق الحدث وتأثيره على الالتزام
    لا تكتف بالقول: “ظروف السوق”. قدّم مستندات.
  3. اقترح حلولًا
    مثل تمديد المدة، تعديل جدول تسليم، بدائل توريد، تقسيط.
  4. احتفظ بأدلة محاولات التخفيف
    لأن المحكمة تنظر: هل حاولت تقليل الضرر أم استسلمت؟
  5. راجع بنود العقد الخاصة بالقوة القاهرة
    كثير من العقود تحدد: مدة التعليق، حق الإنهاء بعد مدة، واجب الإخطار، وكيفية توزيع المخاطر.

ثامنًا: هل الفسخ يكون “إراديًا” أم “بحكم قضائي”؟

هذا سؤال عملي مهم.

1) الفسخ بالاتفاق

أفضل سيناريو:

  • اتفاق مكتوب على إنهاء العقد وتصفية الالتزامات (رد دفعات، تسليم مواد، إغلاق حسابات، تنازل متبادل…).

2) الفسخ بالإشعار وفق العقد

بعض العقود تعطي حق إنهاء/فسخ بإشعار عند الإخلال بعد إنذار ومهلة.
لكن حتى هنا: احذر من تنفيذ فسخ “متسرع” دون إثبات كافٍ، لأن الطرف الآخر قد يقلب الطاولة ويدعي أنك أنت من أخللت.

3) الفسخ بحكم قضائي

عندما يرفض الطرف الآخر الاعتراف بالإخلال أو يرفض إنهاء العقد وديًا، ترفع دعوى تطلب:

  • فسخ العقد.
  • إلزام بالتعويض/الشرط الجزائي.
  • إلزام برد دفعات أو تسليم أشياء أو إيقاف استخدام حقوق.

تاسعًا: المحكمة المختصة في دعوى فسخ عقد تجاري

بشكل عام:

  • إذا كان النزاع ناشئًا عن عقد تجاري بين منشآت/تجار وفي نطاق نشاط تجاري، فالأصل أن الاختصاص يكون للمحكمة التجارية.
  • إذا كان العقد أقرب لطابع مدني أو عقاري أو لا يُعد نزاعًا تجاريًا في جوهره، قد يكون مساره المحكمة العامة.
  • إذا كان النزاع مرتبطًا بعلاقة عمل، فالمحكمة العمالية.

نصيحة عملية:
قبل رفع الدعوى، صنّف النزاع: “تجاري توريد/تشغيل/توزيع/خدمات” أم “مدني” أم “عمالي”. هذا يحميك من دفع عدم الاختصاص.


عاشرًا: ملف دعوى الفسخ (ما الذي يجب أن ترفقه؟)

رتّب ملفك بهذه الطريقة:

  1. العقد + الملاحق
  2. ما يثبت الإخلال:
  • محاضر تسليم/استلام
  • تقارير عيب
  • جداول تأخير
  • مراسلات توقف/امتناع
  1. الإنذارات والمطالبات السابقة
  2. أدلة الضرر:
  • غرامات
  • فواتير مورد بديل
  • تكاليف إضافية
  • خسائر موثقة
  1. حسابات واضحة:
  • ما الذي دفعته؟
  • ما الذي استلمته؟
  • ما الذي تطلبه بالضبط؟ (رد دفعة/تعويض/شرط جزائي)

كلما كان الملف “قابلًا للحساب” صار أقوى. القاضي يريد أرقامًا وربطًا واضحًا بالمستندات.


حادي عشر: نماذج طلبات شائعة في دعوى فسخ عقد تجاري

حسب حالتك، قد تكون الطلبات مثل:

  1. الحكم بفسخ العقد المؤرخ في (…)، بسبب إخلال المدعى عليه المتمثل في (…).
  2. إلزام المدعى عليه برد مبلغ (…)، وهو (دفعة مقدمة/مبالغ مسددة) لعدم تنفيذ الالتزام.
  3. إلزام المدعى عليه بالشرط الجزائي المنصوص عليه في البند (…)، بمبلغ (…)، وفق طريقة الحساب الموضحة.
  4. إلزامه بتعويض عن الأضرار الفعلية بمبلغ (…)، مع بيان عناصر الضرر ومستنداته.
  5. (عند الحاجة) إلزامه بتسليم/إعادة (مستندات/بضائع/أصول/بيانات) أو وقف استخدام حقوق.
  6. (عند الحاجة) ندب خبير لتقدير الضرر أو تصفية الحساب.

ثاني عشر: أخطاء شائعة تُفشل دعوى الفسخ

  1. فسخ العقد دون إنذار أو مهلة رغم أن العقد يشترط ذلك.
  2. عدم إثبات “جوهرية” الإخلال (تضخيم أخطاء صغيرة).
  3. طلب تعويضات مبالغ فيها دون مستندات.
  4. تجاهل بند الاختصاص أو آلية فض النزاع في العقد.
  5. خلط القوة القاهرة مع ظروف السوق العادية دون إثبات استحالة أو إرهاق غير معتاد.
  6. الاستمرار في تنفيذ العقد لفترة طويلة ثم ادعاء إخلال قديم دون اعتراض (يضعف موقفك).

أسئلة شائعة

هل يمكن فسخ العقد بسبب تأخير بسيط؟

يعتمد على العقد وطبيعة الالتزام. إذا كان الوقت جوهريًا (مشروع مرتبط بموعد)، قد يكون التأخير جوهريًا. أما التأخير البسيط في عقد طويل فقد لا يكفي وحده للفسخ دون إنذار ومهلة.

هل القوة القاهرة تعفي دائمًا من المسؤولية؟

ليس دائمًا. يجب إثبات أن الحدث خارج الإرادة وأنه جعل التنفيذ مستحيلًا، وأن الطرف بذل جهدًا معقولًا للتخفيف وإيجاد بدائل. كما أن نص العقد قد يحدد آثارًا مختلفة.

هل أستطيع المطالبة بالشرط الجزائي والتعويض معًا؟

قد تطلب ذلك إذا كان العقد يسمح أو إذا أثبت أن الضرر تجاوز الشرط الجزائي وفق معطيات واضحة. لكن الأفضل تقديم الطلبات بشكل منظم: أصل الحق + شرط جزائي + تعويض إضافي مدعّم بالأدلة.

ما الأفضل: الفسخ أم تعديل العقد؟

إذا كانت العلاقة قابلة للإنقاذ وتوجد ظروف طارئة تجعل التنفيذ مرهقًا لا مستحيلًا، فالتعديل أو إعادة الجدولة قد يكون أقل تكلفة من نزاع فسخ طويل.


خلاصة عملية

  • فسخ العقد التجاري بسبب الإخلال يحتاج: التزام واضح + إخلال ثابت + جوهرية + إنذار مضبوط + ملف مستندات قابل للحساب.
  • القوة القاهرة تختلف عن الظروف الطارئة: استحالة مقابل إرهاق شديد؛ ولكل منهما أثر مختلف وقد يقود إلى إنهاء أو تعديل.
  • قدّم مطالبك بأرقام ومرفقات واضحة، وكن واقعيًا في التعويضات، وراقب بنود الاختصاص والمهل في العقد.

Leave a comment

Explore
Drag