Skip links
بنود عقد شراكة بين طرفين ونقاط تفاوض رئيسية

صياغة عقد شراكة بين طرفين: نموذج عملي ونقاط تفاوض

تمهيد

الشراكة قرار تجاري وقانوني معًا؛ فوثيقة واحدة قد تصنع انسجامًا سنوات، أو تُطلق شرارة نزاع مبكر. حين نتحدث عن صياغة عقد شراكة بين طرفين في السعودية، فنحن ندمج ثلاثة أبعاد: نموذج قانوني متماسك، حوكمة مالية ورقابية، وصياغة تفاوضية تحبس الخلاف في “قفص” نصوص واضحة. هذا الدليل يقدم إطارًا عمليًا ونموذج بنود قابلة للتكييف، مع إضاءات تفاوضية ونقاط فحص قبل وبعد التوقيع، وإشارات إلى القنوات الرسمية مثل وزارة التجارة ومنصة ناجز عند الحاجة للتوثيق أو التقاضي.

هدفك ليس عقدًا جميل الصياغة فحسب، بل عقدٌ قابل للتنفيذ، يوزّع المخاطر والقرارات والمال والملكية الفكرية بوضوح.


أولًا: ما قبل الصياغة — أسئلة تُنقذ العقد لاحقًا

  • لماذا شراكة لا توريد/استشارة؟ حدّد الغرض بدقة؛ الشراكة تستحقها الحالات التي تتطلب امتزاج موارد لا مجرد تبادل خدمة.
  • مساهمات كل طرف: نقد، أصول، خبرة، شبكة علاقات، ترخيص تقنية. ضع قيمة تقديرية لكل مساهمة.
  • نموذج الحوكمة: شريكان متساويان؟ مدير منفرد؟ مجلس شراكة ثنائي بآلية ترجيح؟
  • أفق زمني: مشروع محدد المدة أم شراكة مستمرة قابلة للمراجعة السنوية؟
  • استراتيجية الخروج (Exit): بيع، شراء جبري، طرح طرف ثالث، تصفية منظمة.

ثانيًا: الهيكل البنيوي لأي عقد شراكة

  1. التعريفات والتمهيد: الغرض، المدة، نطاق النشاط.
  2. المساهمات: توصيف وقيمة وطريقة الإدخال (تحويل/قيود محاسبية/تقييم خبير عند الأصول).
  3. الإدارة والقرارات: ما يُتخذ بالأغلبية وما يلزم له إجماع.
  4. الأرباح والخسائر والتوزيعات: نسب، مواعيد، سياسة احتياطي.
  5. الحسابات والشفافية: حساب مصرفي موحّد، توقيع مزدوج، تقارير شهرية/ربع سنوية، مدقق مستقل.
  6. الأجور والمصاريف: بدل إدارة/رواتب، سقوف صرف، موافقات مسبقة.
  7. الملكية الفكرية والبيانات: من يملك ماذا، ورخص الاستخدام عند الانسحاب.
  8. عدم المنافسة والسرية: نطاق معقول زمانًا ومكانًا ونشاطًا.
  9. الدخول والخروج: تقييم الحصة، ممارسة حق الشفعة، منع التخفيف غير المبرر.
  10. حل النزاعات: تفاوض–وساطة–(تحكيم/قضاء)، مع الإشارة إلى قنوات وزارة العدل عبر منصة ناجز متى لزم.
  11. أحكام عامة: الإخطارات، التنازل، التعديل، القوة القاهرة، القانون الواجب التطبيق والاختصاص.

خلال الصياغة، يمكنك الاسترشاد بمادةنا المرجعية حول الشراكات من زاوية عملية داخل صياغة عقد شراكة تجارية لتفاصيل أمثلة توزيع الأدوار وآليات الترجيح.


ثالثًا: قسمة الأرباح والخسائر وسياسة التوزيع

القاعدة البسيطة: اتساق النسبة عبر الربح والخسارة ما لم يوجد مبرر مكتوب.

  • نسب الملكية ليست كل القصة؛ قد تُمنح أتعاب إدارة ثابتة لأحد الشركاء، لكن لا تحل محل ربحه.
  • سياسة التوزيع: حدّد مواعيد (ربع سنوي/سنوي)، ونسبة أرباح قابلة للتوزيع بعد تكوين احتياطي (مثل 10–20%) وسياسة سيولة.
  • آلية خسائر: ترحيل/تغطية عبر تمويل شركاء بنسبة الملكية أو تمويل طرف ثالث بموافقة أغلبية مع حدّ أقصى للالتزامات.

مثال حسابي: إذا كانت الأرباح الصافية 1,000,000 ريال، والاحتياطي 10%، والتوزيع 50/50، يُوزَّع 900,000 ريال بواقع 450,000 لكل شريك، بعد خصم أي سُلف أو بدلات إدارة مقررة تعاقديًا.


رابعًا: الإدارة والقرارات — أين تُزرع “ألغام” النزاع؟

اعتمد “مصفوفة قرارات” بثلاث طبقات:

  • تشغيلية يومية (مدير منفرد حتى سقف إنفاق X).
  • تشغيلية جوهرية (عقود فوق حد مالي، توظيف مناصب قيادية، فتح فروع) = أغلبية معزّزة (مثلاً 75%).
  • استراتيجية (قروض، رهن أصول، دخول نشاط جديد، بيع جوهري) = إجماع.

ضع آلية ترجيح عند تعادل الأصوات: محكّم تجاري مختار مسبقًا لمسائل محددة، أو رأي خبير مستقل في الموضوعات الفنية (تقييم صفقة/سعر عادل).


خامسًا: الملكية الفكرية والبيانات

  • كل ما يُطوَّر ضمن الشراكة مملوك للكيان المشترك، مع ترخيص مقصور للشركاء داخل نطاق المشروع.
  • ما يُستقدم من أحد الشركاء كـ تقنية سابقة يبقى مملوكًا له، ويُرخص للكيان استخدامه دون انتقال الملكية.
  • عند الانسحاب: ترخيص انتقالي محدود لتصفية الأعمال وتسليمها، وحظر استغلال أسرار الشراكة في نشاط منافس.

سادسًا: عدم المنافسة ومنع الاستقطاب

  • عدم منافسة: مدة معقولة (12–24 شهرًا)، نطاق جغرافي محدد، وصف نشاط واضح.
  • منع استقطاب: حظر جذب موظفي/عملاء الشراكة لفترة محددة، مع شرط جزائي متناسب يُعادل تكلفة الاستبدال أو نسبة من قيمة العقد المتأثر.

سابعًا: الانسحاب والدخول — كيف تُدار الملكية بهدوء؟

  • حق الشفعة: إذا رغب شريك في بيع حصته لطرف ثالث، يُخطر الآخر أولًا بنفس السعر والشروط.
  • Call/Put Options: خيار شراء/بيع جبري عند أحداث مُحفِّزة (إخلال جوهري، عجز دائم، تغيير سيطرة).
  • تقييم الحصة: متوسط متعدد الطرائق (EBITDA مضروب × معامل متفق عليه + صافي أصول مُعاد التقييم)، ويُحسم منه الديون والتزامات الطرح.
  • Clawback: إذا ثبت تضليل في بيانات ما قبل الشراكة، يُعاد تسعير جزء من الحصة أو يُفعَّل خيار الشراء الجبري بسعر مخفّض.

ثامنًا: الحوكمة المالية والشفافية

  • حساب مصرفي واحد باسم الكيان، وتوقيع مزدوج فوق سقف إنفاق.
  • نظام محاسبي معتمد، وتقارير شهرية + مراجعة سنوية بمدقق خارجي.
  • لوحة سياسات: المشتريات، العهد، السلف، المصاريف التمثيلية، سياسة أطراف ذات علاقة (إلزام موافقة مسبقة).
  • إفصاح تضارب مصالح: أي تعامل مع طرف ذي علاقة يستلزم شفافية وقبولًا مكتوبًا.

تاسعًا: الامتثال والتوثيق

  • وزارة التجارة: تحديث السجل، عقود التأسيس/التعديلات، ترخيص الأنشطة.
  • منصة ناجز: مسار التقاضي/التنفيذ عند تعثر الشريك أو الإخلال ببنود مالية، وموثق جيد للمراسلات والإخطارات النظامية.
  • الضرائب والزكاة: التزامات الفاتورة الإلكترونية والإقرارات لو انطبقت.

عاشرًا: نموذج بنود عملية (قابلة للتكييف)

1) بند المساهمات والتقييم
“يدخل الشريك (أ) نقدًا بمبلغ (…) ريال، ويدخل الشريك (ب) أصولًا موصوفة في الملحق (1) بقيمة عادلة قدرها (…) ريال وفق تقرير خبير مستقل. وتُعد هذه القيم حصصًا مملوكة للطرفين بنسب: (…)/(…).”

2) بند الإدارة والقرارات
“يتولى (…)* منصب المدير حتى سقف إنفاق شهري (… ريال). تتطلب القرارات الجوهرية المبينة في الملحق (2) موافقة أغلبية (…%)، والقرارات الاستراتيجية المبينة في الملحق (3) إجماع الطرفين.”

3) بند التوزيعات والاحتياطي
“تُكوَّن احتياطات بنسبة (…%) من صافي الربح السنوي، وتوزع الأرباح المتبقية خلال (… يومًا) من اعتماد القوائم، بحسب نسب الملكية ما لم يُتفق على خلاف ذلك كتابةً.”

4) بند عدم المنافسة ومنع الاستقطاب
“يلتزم كل طرف بالامتناع عن مزاولة نشاط مماثل ضمن (… منطقة) لمدة (… شهرًا) بعد انتهاء الشراكة، وبالامتناع عن استقطاب موظفي الشراكة أو عملائها الرئيسيين لمدة (… شهرًا). ويستحق الطرف المتضرر شرطًا جزائيًا قدره (…) ريال عن كل مخالفة مع عدم الإخلال بالتعويض عن الضرر الزائد.”

5) بند الخروج والتقييم
“عند رغبة أي طرف في التخارج، يخطر الآخر كتابيًا مرفقًا بعرض طرف ثالث إن وجد. ويكون للأطراف حق الشفعة خلال (… يومًا). ويُقيَّم نصيب الطرف الراغب وفق معادلة: (متوسط EBITDA لآخر 12 شهرًا × معامل …) + صافي الأصول وفق تقرير خبير – الديون الصافية.”

6) بند حل النزاعات
“تُسوى النزاعات وديًا خلال (30) يومًا، فإن تعذّر يُلجأ إلى وساطة لدى (…) خلال (30) يومًا أخرى، فإن تعذّر يُحسم النزاع بـ (تحكيم/قضاء) وفق (…)، مع تنفيذ الأحكام عبر محاكم التنفيذ في وزارة العدل ومنصة ناجز.”


حادي عشر: نقاط تفاوض ذكية

  • اربط الأداء بالملكية: منح أسهم/حصة إضافية عند بلوغ مؤشرات أداء محددة (Revenue/EBITDA/عدد فروع).
  • حماية تخفيف الملكية: وضع حدّ أدنى لسيولة الشركة قبل السماح بطرح حصص، أو اشتراط مساهمة متساوية في الزيادات.
  • Cap على الضمانات: سقف مسؤولية كل طرف عن الإقرارات والضمانات، ومدد تقادم مختلفة (ملكية أصول/التزامات خفية).
  • Drag/Tag Along: إن باع أحد الشركاء للأغلبية، يمكّن الآخر من البيع (Tag) أو يُلزَم بالبيع (Drag) عند سعر عادل.

ثاني عشر: أخطاء شائعة تُفخّخ الشراكات

  1. الغموض في وصف المساهمات غير النقدية وقيمتها.
  2. غياب مصفوفة قرارات واضحة وحدود الصرف.
  3. تجاهل خطة الخروج والتقييم وآليات الترجيح.
  4. عدم ترسيم حقوق الملكية الفكرية والبيانات.
  5. شرط عدم منافسة مبالغ فيه يسهل إسقاطه قضائيًا.
  6. إدارة المال من حسابات شخصية بدل حساب موحد للشراكة.
  7. ترك الإخطارات “ودية” بلا قناة رسمية، فيصعب إثباتها لاحقًا.

أسئلة شائعة (FAQs)

هل يجب توثيق الشراكة كشركة أم تكفي اتفاقية بين شخصين؟
يعتمد على حجم ونوع النشاط والمخاطر. الشركات (مثلاً ذات مسؤولية محدودة) تقدّم حماية مسؤولية وحوكمة أوضح، لكنها أعلى كلفة من اتفاقية مدنية بسيطة.

كيف أحسب نصيب كل طرف عند الخسارة؟
القاعدة أن الخسارة حسب نسب المساهمة ما لم يتفق على خلاف منطقي ومشروع. احذر تحميل طرف كامل الخسارة دون نص متوازن.

هل أحتاج محاميًا؟
يوفّر عليك محامي الشركات كثيرًا من “الألغام” ويقدّم مسودات توافق بين الواقع والنظام، خاصة في بنود الخروج والتقييم والملكية الفكرية.

ما دور الجهات الحكومية؟
وزارة التجارة لتأسيس/تعديل الكيان وتحديث السجل، ومنصة ناجز لإدارة أي نزاع قضائي/تنفيذي. التزامك بالإخطارات الرسمية يختصر الزمن عند الخلاف.


خاتمة

العقد المتين ليس أطولها حبرًا، بل أوضحها بنيةً وأقربها للتنفيذ: مساهمات مُثبتة، مصفوفة قرارات ذكية، سياسة توزيعات واقعية، حماية مال وملكية فكرية، وخطة خروج عادلة. اكتب عقدك وكأنك تحل نزاعًا قبل وقوعه: ماذا لو اختلفنا؟ من يحسم؟ بأي جدول زمني؟ وأين ننفّذ؟ بتبنّي هذه العقلية، تتحول الشراكة من منطقة رمادية إلى محرّك نمو محكوم بنصوص دقيقة لا مفاجآت فيها. وإذا احتجت أمثلة أوسع للبنود وصياغات متقدمة، فيُمكنك التعمّق عبر النظرة العملية داخل صياغة عقد شراكة تجارية وتكييفها على نشاطك وأولوياتك.

Leave a comment

Explore
Drag