Skip links
واجبات مكافحة غسل الأموال والإبلاغ في السعودية

الجرائم الاقتصادية وغسل الأموال: واجبات المنشآت والإبلاغ

تمهيد

تشكّل الجرائم الاقتصادية وغسل الأموال تهديدًا مباشرًا لسلامة السوق ومتانة المؤسسات المالية وغير المالية. في السعودية، لم يعد الامتثال خيارًا؛ بل هو واجب نظامي تُشرف عليه جهات رقابية متعددة: البنك المركزي السعودي للقطاع المالي، هيئة السوق المالية لقطاع الأوراق المالية، وزارة التجارة للأنشطة غير المالية المحددة، هيئة الزكاة والضريبة والجمارك على المنافذ والتعاملات العابرة للحدود، إضافةً إلى وحدة التحريات المالية السعودية بوصفها مركز الاستلام والتحليل للبلاغات، وبالتكامل مع النيابة العامة ورئاسة أمن الدولة في جانب التحقيق والتنفيذ.

سنقدّم خريطة التزامات عملية: من التعرف على العميل والمستفيد الحقيقي، إلى العناية الواجبة وتقييم المخاطر، وصولًا إلى الإبلاغ عن العمليات المشتبه بها، مع مؤشرات إنذار مبكر، ونماذج قطاعية، وعقوبات حال الإخلال.

الهدف: أن تُدير منشأتك خطر غسل الأموال بطريقة استباقية تحمي الرخصة والسمعة وتُسهل التعامل مع الجهات الرقابية.


أولًا: إطار الالتزام — من يشمله وماذا يطلب؟

يشمل الواجب مؤسسات مالية (مصارف، شركات تمويل، وساطة أوراق مالية، تحويل أموال)، وشرائح غير مالية محددة مثل: العقارات، تجارة المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، المحاسبة والتدقيق، المحاماة والخدمات القانونية عند القيام بأعمال معينة (تأسيس كيانات، إدارة أموال، شراء وبيع عقارات). تتولى:

  • البنك المركزي السعودي إصدار قواعد تفصيلية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لمقدمي الخدمات المالية والمالية الرقمية.
  • هيئة السوق المالية تفرض ضوابط على الأشخاص المرخص لهم في الأوراق المالية (اعرف عميلك، فحص المستفيد الحقيقي، مراقبة المعاملات).
  • وزارة التجارة تنظّم الامتثال لدى الأنشطة غير المالية المحددة وتتابع التزام السجلات التجارية.
  • هيئة الزكاة والضريبة والجمارك تراقب حركة السلع والنقد عبر الحدود وتطبيق الإفصاحات.
  • وحدة التحريات المالية السعودية تستقبل البلاغات وتنسّق مع النيابة العامة ورئاسة أمن الدولة.

ثانيًا: حجر الزاوية — اعرف عميلك والمستفيد الحقيقي

  1. اعرف عميلك: تحقق من الهوية والمهنة ومصدر الدخل والغرض من العلاقة. في الكيانات، تحقّق من السجل، النظام الأساس، المفوضين بالتوقيع.
  2. المستفيد الحقيقي: الشخص الطبيعي الذي يملك أو يسيطر نهائيًا (مباشرةً أو عبر طبقات ملكية). لا تكتفِ بمسؤول الواجهة؛ اطلب هيكل الملكية حتى الوصول للأشخاص الطبيعيين.
  3. تصنيف المخاطر: قيّم العملاء والمعاملات والمنتجات وفق مخاطر البلد والنشاط والسمعة والتعاملات النقدية العالية.
  4. تحديث دوري: لا يكفي فحص البداية؛ حدّث بيانات العميل عند مؤشرات تغيّر جوهرية (تغيير ملكية، نشاط جديد، تعاملات غير معتادة).

قاعدة عملية: إن لم تَعرف لماذا يتعامل العميل معك ومن ينتفع نهائيًا، فأنت تعمل في الظلام.


ثالثًا: العناية الواجبة — عادية، معززة، ومبسطة

  • العادية: إثبات الهوية، فهم الغرض، مراقبة المعاملات، حفظ السجلات.
  • المبسطة: لعملاء ومنتجات منخفضة المخاطر بشكل واضح (مع مبررات موثقة).
  • المعززة: عند ارتفاع المخاطر (بلدان عالية المخاطر، منتجات معقدة، شركات واجهة، حسابات بمرونة نقدية كبيرة، شخص ذو صفة سياسية). تتضمن: توثيق أعمق لمصدر الثروة، موافقات إدارية أعلى، وتواتر فحص أكبر.

رابعًا: سياسات وإجراءات داخلية لا غنى عنها

  1. سياسة مكتوبة لإدارة مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب تُقرّها الإدارة العليا.
  2. تعيين مسؤول التزام بسلطات واضحة وحق الوصول للبيانات ورفع التقارير.
  3. برنامج تدريب دوري حسب الدور الوظيفي، مع اختبارات قياس فهم.
  4. حفظ السجلات لمدة لا تقل عن المدة النظامية (غالبًا عشر سنوات) للهوية والمعاملات والتقارير.
  5. فحص القوائم: قوائم العقوبات المحلية والدولية، الأسماء المحظورة، والقوائم التي تعتمدها رئاسة أمن الدولة والجهات الدولية المختصة.
  6. إدارة الطرف الثالث: لا تُفوّض دون فحص مقدم الخدمة وملكيته وضوابطه.

خامسًا: مؤشرات الاشتباه — إشارات لا تتجاهلها

  • حسابات تتحرك عكس النشاط المعلن (شركة خدمات تتلقى حوالات نقدية ضخمة متكررة بلا وصف).
  • تعدد شركات بملكية متداخلة دون نشاط فعلي واضح.
  • تعامل نقدي كبير متكرر مع تجزئة ظاهرة لتفادي الحدود التنظيمية.
  • عميل يرفض تقديم مستندات مصدر الأموال أو يتضايق من الأسئلة الأساسية.
  • عمليات عبر حدود متقاربة في الزمن لأطراف مرتبطة.
  • أوامر شراء وبيع لأصول عالية القيمة باسم أطراف وسيطة غير معروفة.

ليست كل إشارة جريمة، لكنها سببٌ معقول لرفع مستوى الفحص وربما إعداد بلاغ.


سادسًا: الإبلاغ — من الرصد إلى البلاغ النظامي

  1. التجميد الداخلي المؤقت: إذا كان التنفيذ الفوري للمعاملة قد يُبدّد الأثر، استشر سياساتك، ونسّق بسرعة مع مسؤول الالتزام.
  2. توثيق الأسباب: اكتب ملخص واقعي غير إنشائي: ما العملية؟ لماذا اشتبهت؟ ما المستندات؟
  3. رفع البلاغ إلى وحدة التحريات المالية السعودية عبر قنواتها المقررة، مع الملاحق المؤيدة.
  4. حظر الإفصاح: لا تخبر العميل أو أي طرف غير مخوّل بأنك بلّغت.
  5. التعاون مع الجهات: عند طلب معلومات إضافية من وحدة التحريات أو النيابة العامة، تجاوب سريعًا وبشكل كامل.
  6. الإخطارات المرتبطة بالعقوبات: إذا كان الاشتباه متعلقًا بقوائم محلية أو دولية، اتبع تعليمات رئاسة أمن الدولة والجهات المختصة بالتجميد والتنفيذ.

سابعًا: نماذج قطاعية مختصرة

القطاع المصرفي والتمويل

  • المخاطر: حسابات واجهة، تمويل بضمانات مبالغ فيها، تحويلات متقاطعة.
  • أدوات الضبط: مصفوفة مخاطر المنتجات، فحص مصدر الثروة للعملاء ذوي المخاطر العالية، مراجعة دورية من البنك المركزي السعودي.

الأوراق المالية

  • المخاطر: تلاعب في أوامر البيع والشراء، تدوير سيولة لتمويه مصدر الأموال.
  • أدوات الضبط: مراقبة أنماط التداول، فحص المستفيد الحقيقي للحسابات، التزامات هيئة السوق المالية في الإبلاغ الفوري.

العقارات

  • المخاطر: شراء نقدي لأصول مرتفعة القيمة عبر وسطاء متعددين.
  • أدوات الضبط: توثيق مصادر الأموال، ربط العمليات عبر القنوات الرسمية، تنسيق مع وزارة التجارة عند المؤشرات غير المعتادة.

الخدمات المهنية (محاماة/محاسبة)

  • المخاطر: تأسيس كيانات معقدة لإخفاء الملكية، حسابات أمانات غير مراقبة.
  • أدوات الضبط: سياسة قبول عميل، فحص غرض التأسيس، رفض التعامل عند تعذر الوصول للمستفيد الحقيقي.

المعادن الثمينة والأحجار الكريمة

  • المخاطر: مشتريات نقدية كبيرة، تحويلات خارجية سريعة.
  • أدوات الضبط: حد تعامل نقدي، فحص هوية مشدد، توثيق مصدر الأموال.

ثامنًا: العقوبات والمساءلة

  • غرامات مالية كبيرة وتعويضات.
  • إيقاف/إلغاء ترخيص من البنك المركزي السعودي أو هيئة السوق المالية أو الجهات المختصة.
  • مساءلة جنائية قد تصل إلى السجن بحق الأشخاص الطبيعيين المتورطين عمدًا.
  • نشر قرارات المخالفة بما يضر السمعة ويؤثر على الوصول للمصارف والمستثمرين.
  • مصادرة الأموال المرتبطة بالجريمة متى ثبت الارتباط.

الإهمال الجسيم في برامج الامتثال قد يُعدّ مشاركة غير مباشرة في التسهيل، خصوصًا مع التحذير المتكرر من الجهات الرقابية.


تاسعًا: خطة تنفيذ من عشر خطوات داخل منشأتك

  1. اعتماد سياسة مكتوبة لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
  2. تعيين مسؤول التزام بخط تقارير إلى الإدارة العليا.
  3. بناء سجل مخاطر للعملاء والمنتجات والدول.
  4. اعتماد نموذج اعرف عميلك شاملًا للمستفيد الحقيقي.
  5. تفعيل فحص القوائم قبل الإسناد وأثناء العلاقة.
  6. تصميم سيناريوهات رصد آلية للمؤشرات المريبة.
  7. مسار تصعيد داخلي واضح من الموظف إلى مسؤول الالتزام.
  8. برنامج تدريب سنوي موجه حسب الأقسام.
  9. اختبار مستقل لبرنامج الامتثال (تدقيق داخلي أو طرف مستقل).
  10. مراجعة بعد الحوادث لتحديث السيناريوهات والسياسات.

عاشرًا: أخطاء شائعة تُعرّضك للخطر

  • الاعتماد على صور هوية قديمة وعدم تحديث البيانات.
  • قبول حوالات طرف ثالث دون تفسير تجاري مقنع.
  • تجزئة كبيرة للصفقات لتفادي الحدود الرقابية.
  • حفظ سجلات متفرقة دون فهرسة تُسلم فور طلب الجهة.
  • الاكتفاء بنموذج اعرف عميلك شكلي بلا فهم لنشاطه الفعلي.
  • تجاهل الإشعارات الرقابية أو التأخر في الرد عليها.

حادي عشر: أسئلة شائعة

متى أرفع بلاغًا؟
عند وجود اشتباه معقول تدعمه وقائع ومستندات، حتى لو لم تكتمل الصورة. التأخر قد يبدد الأثر.

هل يجوز الاستمرار في المعاملة حتى أرد من الجهة؟
وفق السياسة الداخلية وطبيعة الاشتباه؛ في حالات واضحة، أوقف التنفيذ مؤقتًا، ونسّق مع الجهة المختصة.

كيف أتعامل مع شخص ذي صفة سياسية؟
اعتمد عناية معززة: موافقات أعلى، فهم مصدر الثروة، مراقبة لصيقة، وتوثيق قرارات القبول.

هل المعاملات بين شركات محلية آمنة تلقائيًا؟
لا. افحص الهيكل والملكية المستفيدة وطبيعة التدفقات، فالشركات قد تُستخدم كواجهة.

هل التدريب الإلزامي مرة واحدة يكفي؟
لا. يجب برنامج سنوي يتطور مع المخاطر ويغطي حالات واقعية.


ثاني عشر: قائمة فحص مختصرة قبل الإغلاق السنوي

  • سياسة محدّثة وموقّعة من الإدارة.
  • سجل مخاطر مُراجع.
  • ملفات اعرف عميلك كاملة ومحدّثة.
  • أدلة فحص قوائم المنع.
  • سجل بلاغات وإخطارات موثّق.
  • خطط تدريب وتقارير حضور.
  • تقرير اختبار مستقل مع توصيات وإغلاق للملاحظات.

خاتمة

مواجهة الجرائم الاقتصادية وغسل الأموال تبدأ من الداخل: سياسة واضحة، اعرف عميلك محكم، معرفة المستفيد الحقيقي، رصد ذكي، وإبلاغ منضبط. التزامك يُسهّل تعاونك مع البنك المركزي السعودي وهيئة السوق المالية ووزارة التجارة وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، ويجعل التعامل مع وحدة التحريات المالية السعودية والانتقال إلى النيابة العامة —عند اللزوم— أكثر سلاسة وأقل كلفة. بهذه المنهجية، تتحول مكافحة غسل الأموال من عبء إداري إلى ميزة ثقة تعزز أعمالك وتُصون رخصتك وسمعتك.

Leave a comment

Explore
Drag